نبذة تاريخية عن التنجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

نبذة تأريخية
يُطلق التنجيم عند الأوروبيين على صناعة الأنباء بالحوادث المستقبلية من النظر في الكواكب والحوادث العُلوية، وقد رأى العلماء الباحثون في أساطير كل أمة أقوالاً عن هذه الصناعة وإنْ لم تكن بالغة من الاتقان مبلغاً يرفعها إلى درجة العلوم المقررة. أول أمة رقَّت هذا العِلم إلى درجته المعروفة هي أمة الكلدانيين(1) ثم أخذه عنهم المصريون الأقدمون وعن هؤلاء أخذه اليونان فنقله عنهم الهنديون والرومانيون. وانتقل هذا العِلم من العالَم القديم إلى القرون الوسطى، واشتغل به ناس كثيرون وعكفوا عليه، وما زال آخذاً من الأذهان محلاً إلى القرن الماضي، حيث انتشرت العلوم الكونية وعرف الناس حقائق الأجرام السماوية، فقلَّ الاشتغال به وكاد يزول لولا أن العالم لا يخلوا في كل زمان من رؤوسٍ لا ترى لها لذة إلا في التمسّك بكل قديم وإنْ ناقض العقلَ والحسَّ معاً.(2)
كان القدماء لا يفرِّقون بين علميّ الهيئة والتنجيم، فكان المتكلِّم في حركات النجوم وعلاقات بعضها ببعض هو نفسه الذي ينبِّئ بالحوادث المقبلة من النظر لتلك الحركات، ولم يميَّز بين هذين العلمين إلا في نحو القرن الأول الميلادي.
اشتغل الكلدانيون بعِلم النجوم اشتغالاً جديداً لارتباط ديانتهم وطقوسها بحركاتها، فبلغوا فيه شأواً بعيداً، ولزمه صناعة التنجيم، فكان فيها أكثر المنبئين بالحوادث المقبلة، وكانوا يزعمون أنهم يراقبون حركات النجوم منذ (473000) سنة، وتطرَّف بعضهم فزعم أن سنّ عملهم يبلغ (1440000) سنة. لا مشاحة أن هذا خطأ مبين، فإن تاريخ وجود الكلدانيين معروف الآن. وقد عُثر في خرائب نينوى على مؤلف في الفَلك منسوب إلى الكلدانيين يصعد تأريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد، والذي حيَّر الباحثين هو البحث في أيّ الأمتين سبقتْ أختَها إلى هذا العِلم، الأمة المصرية أم الأمة الكلدانية؟ والمرجَّح أن الأولى هي التي أخذت عن الثانية، وأن اليونانيين أخذوه عن المصريين كما تبين ذلك مما ذُكر عن الشاعر "هومير"؛ وعُلم الآن أن الذي نشره في بلاد اليونان هو الفيلسوف "طاليس" ثم "فيثاغورث" و "ديموكريت" وغيرهم من العلماء اليونانيين.
بقي عِلم التنجيم محتكراً في يد طائفة من المصريين لا يفشون أصوله لغير المختارين من آحادهم حتى أخذه اليونانيون، فعمموه على عادتهم وأذاعوه بين الناس فصار سهل المأخذ يشتغل به مَن أراد، فوجد أشياعاً كثيرين وانتقل إلى كل مكان حتى وصل إلى إيطاليا في سنة (29) قبل الميلاد. فلما جاءت الديانة المسيحية قاومت صناعةَ التنجيم مقاومةً عنيفة بحجة أنها تنافي صحة العقيدة بإرادة الخالق، وتطرَّف بعضُ زعمائها فاعتبروه وحياً من الشيطان إلى الشريرين من أوليائه، فاضطهد أهل هذه الصناعة أشد اضطهاد وأيَّد امبراطرة الرومان رجال الكنيسة حتى كاد يقضي على هذه الصناعة لولا أنها أدت إلى بعض الأذهان في طي الكتمان مع الخرفات وغيرها من بقايا الوساس القديمة. ثم خَلَفَ أهلَ أوروبا في زعامة هذه الصناعة اليهودُ والعربُ، فنبع منهم مَن رفعها إلى مكانة العلوم العالية وكان لأهلها حظوة عند الخلفاء والقادة في أجمل عصور المدينة العربية، ولا تزال هذه الصناعة تأوى إلى رؤوسٍ في الشرق والغرب فيتلقَّف بعضُ الناسِ ما يقوله أهلها كأنه الوحي، ويذهبون في النظر فيه وتأويله وتوجيهه كل مذهب، ويلتمسون لقائليه الأعذار مهما كذَّبتهم الحوادث، حتى أننا لَنرى أن من الناس مَن يسهل عليه أن يتهم عقله في فهم أقوال أولئك الأفَّاكين ولا يسهل عليه أن يتهمهم بالإفك. (3)
أخيراً:
إن أكثر الأقدمين الذين يعتقدون بالتنجيم كانوا يؤلِّهون الكواكب ويعبدونها، وكانوا يتخيلون أن لكل منها نصيب في إدارة الكون، وجاء بعدهم مَن يأوِّل هذا العمل بأسلوب حيث يقولون نحن لا نعتقد بأن للكواكب تأثيراً وإنما نعتقد بأنها مفعلة للإرادة الإلهية، فإذا راقبناها عرفنا وجهة هذه الإرادة وتبينا بعض الحوادث العلمية التي يريد الله أن يكشفها للناس. ادَّرعوا بهذا الدرع التأويلي وأكبوا على العمل بالتنجيم والتوسّع فيه مبدِّلين ألهية الكواكب بروحانيتها، وطفقوا يلعبون بالألفاظ ويقررون الظنون والأوهام حتى خُيّل للناس أن هؤلاء القوم يدركون بنظرة في السماء ما يريد الخالق أن يقوم الناس عليه من خير أو شر.
إن الدين الإسلامي والعِلم الحديث أبطل ما يعتقد به هؤلاء المنجمون.. فليس لآرائهم أيّ قيمة علمية وعملية في واقع الحياة. وإن ما له قيمة وأساس ما يبتني على أصول علمية وما يؤيده العلماء استناداً إلى ديننا الإسلامي الحنيف. ونختم ذلك بما ذكره السيد الشيرازي في الفقه حول الهيئة والتنجيم حيث قال:
لا ينبغي الإشكال في أن للكواكب تأثيراً في الكون بإذن الله سبحانه، كتأثير الشمس في الحرارة، والقمر في المد والجزر. وأما القول بالتوليد والإعداد، أو التواني، فلا إشكال في ضعفه، فهو كالقول في مَثل النار والثلج. أما مَن يجعل التأثير بالاستقلال أو بالشركة ولو الطَولية فهو خلاف ضرورة الدين.(4)

الحواشي:
(1) اسم أُطلق خطأ على بلاد ما بين النهرين بأسرها! عُرفت بهذا الاسم ــ في الألف الأول قبل الميلاد ــ المنطقة الغربية من الخليج العربي جنوبي العراق. [المنجد في الأعلام]
(2) عن دائرة معارف القرن العشرين. (ونحن بدورنا نقلناه عن مرجعنا الأصل المبيَّن لاحقاً)
(3) عن دائرة معارف القرن العشرين.
(4) موسوعة أهل البيت الكونية، المجلد: الفَلك والنجوم، تأليف وإعداد عبد الله مرتضى و: د. باسم محمد حسين العطية، إشراف الشيخ فاضل الصفار؛ سحر للطباعة والنشر، ط1، مج2، ص275 وما بعد.

(يــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــــبـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــع)

» علم الفلك و التنجيم و الرأي العلمي